البريد
الرئيسيةرأي

محمد على قدس يكتب : «الاختلاف والصراع في الأزمات»

Adv

قلنا مرارا ونكرر القول إنه منذ مطلع القرن الحالي، وبعد انقلاب الحادي عشر من سبتمبر العالمي، انقلبت كل الموازين، ووضعت قوانين تتنافى مع القيم الإنسانية والحضارة الفكرية، كما انتهجت أساليب لإرغامنا على توجهات لا يمكن أن تكون إلا بغرض تغيير هويتنا والانسلاخ من أصالة موروثنا الثقافي وارثنا الحضاري.

إن المفهوم الثقافي في تحديد مستوى ثقافة أي مجتمع، وفق ما تعارف عليه العلماء والمفكرون، قديما وحديثا، لا يمكن أن يرتبط سياقه في القاموس اللغوي والفكر الإنساني فحسب، بل يصبح مفهوما شاملا، يخرج من هذا الحيز الضيق إلى مفهوم أوسع تتميز به ثقافة الشعوب في طبيعتها وهويتها وما تتشبث به للحفاظ على ثوابتها. الإشكالية الكبرى تتمثل اليوم في أننا لم نوفق حتى الآن في الخروج من الرؤية الواحدة والفكر الواحد، وحصرنا أنفسنا في نظريات ثابتة، في المسائل التي لا علاقة لها بالعقيدة والثوابت وأصول الدين. فالبحث عن حلول واجتهادات هو بكل تأكيد لا يعد انقساما في الأمة ولا تفريقا للجماعة والوصول إلى كلمة سواء، وإنما هي فكرة مقبولة للخروج من النظرية الواحدة إلى التعددية الشاملة، التي لا تمس الثوابت لا من قريب ولا من بعيد، بل تزيدنا تمسكا بعقيدتنا التي يجب ألا نحيد عنها.

فرضية التعددية الثقافية، تحتم علينا الأخذ بما تستجوبه المتغيرات وما يوصلنا للوسطية في كل شيء، وهنا نصل لأهمية تبادل الرأي والحوار وأهمية الاتفاق على معايير لأدبيات الحوار والتغريد واختلاف الرأي، إننا اليوم في أمس الحاجة لعقلانية وحكمة مثقفيها ومفكريها، ولا نحتاج لأنظمة وضوابط رقابية لحوارنا واستخدامنا لكل وسيلة نبدي فيها رأينا أو نقول كلمتنا، خاصة ونحن في وقت تكاثر فيه الإعداء الذين هم أكثر شراسة وعدوانية من اليهود والنصارى، ففي ظل الظروف المأساوية التي تشهدها المنطقة، سواء بتقسيمها وتفتيتها، أو باشعال نار الحرب في أصقاعها وخلق الفوضى الفكرية والعقائدية قبل فوضى السياسات والأنظمة.

هناك بالفعل صراع بين ذوي العقائد والأيديولوجيات ومختلف الثقافات، يمتحن فيه العقلاء من العلماء والمفكرين والمثقفين، وهو بحق امتحان صعب، يحتم علينا تجاوز كل الخلافات والحوارات المتشنجة ونبذ الجدل الذي يتسم بالغلو وتسفيه الآخر وإلقاء التهم الباطلة عليه. ويكفينا الدليل على عمق اختلافنا وتباين أفكارنا، أننا نختلف على أن تكون كلمتنا الموحدة في قضايانا المصيرية.

من السذاجة أن نفكر بطريقة الغرب وننكر أن لنا خصوصية ثقافية وعقائدية، عكس ما هم عليه من عقيدة وحرية، لا يمكن أن تكون ملائمة لنا ولا تتفق مع ثوبتنا طبيعتنا الاجتماعية، ومما يؤسف له أن الكثير ممن لم تزدهم المحن والأزمات التي تواجهنا، إلا ايغالا في التشدد والذهاب بعيدا مع القطيع الشارد الهالك. وللحديث يقيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى