
لعل أول ما يخطر على بالك عندما تقرأ العنوان مشاهداً مرتبطة فقط بالتلوث البيئي كالإحتباس الحراري ، شواطيء البحر السوداء ، الأشجار المقطعة أو الغابات المحروقة.
كل الذي ذكرته حقيقياً وموجوداً لكني لم أقصد التلوث بالمعنى الحرفي واللفظي ، في حقيقة الأمر قصدت نوعاً أخطر بكثير وهو التلوث الإجتماعي والأخلاقي ، تلوث الضمير و المباديء، التغير المساري والجذري لكل المعايير الحياتية حيث أصبح كل شيء مألوفاًولم يعد هنالك مايدعو للدهشة والإستغراب .
أين هي الحياة النقية اليوم ، هي فعلياًفي مضمار سباق تركض دون أن تصل ودون أن يرَها أحد لأنها أصبحت في المؤخرة .
أول ماعليك فعله لكي تفهم ما أقصد هو جولة صغيرة على مواقع الحياة الإلكترونية الجديدة ، ، حاول من خلالها أن تتعرف جيداً على هوية سكان تلك المواقع ، وجنسية أفكارهم وثقافاتهم ، سترى صفحات كثيرة مشبوهة أو أسماء يتابعها الملايين فبعضها تمارس دعارة على العلن دون أي ضوابط أو محاكمة ، الجميع مندهش صامت وأحياناً يصفق ، هذا ولم نلقي نظرة على صفحات المثلية الجنسية التي يتابعها ملايين المراهقين فقد أصبحت هذه الحالة الشاذة بالنسبة لهم شيئاً اعتيادياً مثله مثل تناول كوب ماء ، وهي اليوم شيء طبيعي ومقبول لدى جميع أطراف المجتمع دون وجود إشارات استفهام أو تعجب ، أما عن ثقافة التنمر والإستهزاء والإنتقاص من الآخرين فحدث ولا حرج ، أيضاً هناك حسابات للأسف و تحت عنوان الفكاهة والتسلية تمارس أقبح أنواع هذا النوع من التلوث وبهدف المتعة والضحك تجذب أيضاً الملايين دون وجود رقابة ودون أي اعتبار لحقيقة الفئة العمرية لهؤلاء المتابعين وجوهرهم وماهيتهم الفكرية و الإجتماعية .
كتبت أليف شفق في كتابها قواعد العشق الأربعون الكثير عن مشاكل القرن الواحد والعشرين وقارنته بكل التفاصيل بالقرن الثالث عشر الذي ساده الصراعات الدينية وسوء التفاهم الثقافي والشعور بعدم الأمان والخوف من الآخر .
أليف شفق حمّلت هذا القرن كل تلك الذنوب والآثام فهي اعتبرته عصراً مشحوناً بكل ماهو أهوج وتافه قبل أن تشهد حالة الفوضى هذه فهي أصدرت كتابها قبل هذه الثورة الفكرية الهوجاء .
أتساءل ما إذا طُلب منها ومن غيرها أن يصفوا الذي حصل في العقد الأخير ماذا سيكتبون وهل هم قادرون على الإستمرار في العوم وسط مستنقعات الإنفصام هذه !
التحول هذا الذي اشترى الحياة بثمنٍ بخِس قد استثمرها وحولها لطاولة قمار يتصارع عليها الجميع فالجميع مقامرون عميان جشعون.