البريد
الرئيسيةفن وثقافات

طه حسين ومستقبل الثقافة فى مصر.. حكاية كتاب عمره 80 عامًا رؤيته عن الهوية الثقافية والعلاقة مع الغرب لا تزال تثير الجدل حتى الآن

Adv
كتبت ــ شيماء شناوى: 

«لولا أن مصر قصرت طائعة أو كارهة فى ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها، ولما أضاعت استقلالها، ولما احتاجت إلى هذا الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال»، عبارة الدكتورة طه حسين عميد الأدب العربى، التى خطها فى مقدمة كتابه الأشهر «مستقبل الثقافة فى مصر»، قبل 80 عاما من الآن، ربما يؤكد أن مستقبل مصر على جميع الأصعدة متوقف على مستقبل الثقافة والتعليم والفن فيها.
وربما لم يلق كتاب معركة فكرية كبرى امتدت لـ80 عاما ويزيد، مثلما فعل هذا الكتاب منذ صدوره «1938» عقب حصول مصر على استقلالها من بريطانيا بعد معاهدة 1936؛ فما زالت أفكاره ورؤاه حاضرة بقوة على جميع موائد الاتجاهات الفكرية، ووجوده غالب على الندوات والنقاشات الثقافية، وتتناول مضمونه وقضاياه مئات المقالات الصحفية، باعتباره كتابا يقدم رؤية استراتيجية واضحة ومتكاملة المعالم لاصلاح وتطوير التعليم فى مصر، حيث لم يكتف صاحبه بالإشارة إلى المشكلات التى كانت تواجهها مصر فى زمنه ومازالت تواجهنا فى زمننا هذا، ويعتبرها كثيرون مستعصية على الحل، بل قدم لتلك المشكلات مقترحات وحلولا عملية تؤكد سنة بعد أخرى أن مشروعه لا يزال مشروعا معاصرا، صالحا للقراءة والتطبيق.
ويبدأ طه حسين فى كتابه ــ الذى صدر عن دار المعارف وصدرت منه طبعات عدة ــ بسرد القصة وراء خروج الكتاب؛ بعدما شعر كغيره من المصريين، أن بلاده على أعتاب عهد جديد، عليها أن تنهض فيه بواجبات خطيرة وتبعاتٍ ثقال، وبأن دوره ككاتب يحتم عليه المساهمة فى رسم واستشراف هذا المستقبل الآتى، وبخاصة بعدما راح الشباب يسألون المفكرين وقادة الرأى أن يبصروهم بأمورهم، ويهدوهم إلى واجباتهم، لكى تنهض مصر وتستكمل مسيرتها مع الحرية، وبناء مستقبل يليق بمجدها القديم.
فى الفصل الأول بعنوان «الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال»، يخبرنا عميد الأدب العربى بأن مستقبل مصر لن يكون إلا امتدادا صالحا لحاضرها وماضيها البعيد، ليصطحب قارئه عبر جولة تاريخية، تدعم فكرته بأن الهوية الثقافية لمصر، ليست ثقافة شرقية كما هو شائع، بل ثقافة غربية، بدأها العقل المصرى والعقل اليونانى فى العصور القديمة، وكان بينهم تعاون وتوافق وتبادل مستمر للمنافع، فى الفن والسياسة والاقتصاد، ليصل إلى اليونان فى عصورهم القديمة كانوا يرون أنهم تلاميذ المصريين فى الحضارة وفنونها الرفيعة، وهى الرؤية التى قوبلت حينها بكثير من النقد.
لينتقل بفصول الكتاب التالية من التاريخ القديم إلى الحاضر القريب، فيرسم سياسه كاملة للثقافة التعليمية، ويشخص الحالة ويكتب لها العلاج، فيبدأ من التعليم الأولى «الأساسى»، والذى يراه حقا لكل مصرى، ولهذا يجب أن يكون مجانيا، حتى لا يحرم منه أحدا، رافضا أن تتنازل الدولة عن دورها فيه، ومعتبره الحد الأدنى للمواطن لكى يعيش، ثم وصولا بالتعليم العام، ومن بعده الجامعى، والذى يرى طه حسين، أن على القادرين ماديا مساعد الدولة فى دعمه، كنوع من التكافل الاجتماعى، على أن يخضع الطلاب الذين سينالون هذا الدعم إلى مسابقات تعليمية وثقافية تؤكد تفوقهم الدراسى واستحقاقهم له، حتى لا يفوت طالب الفرصة على غيره ممن يستحقون.
ويعدد طه حسين فى كتابه أسباب تدهور التعليم فى مصر، ومنها: «ازدحام المدارس بالتلاميذ، والمشكلات الاقتصادية والظروف الاجتماعية للمعلمين، وأزمة الحفظ لاجتياز الامتحانات، والمناهج الدرسية، انتهاء بالإرادة السياسية للبلاد، التى ينبغى عليها التعامل مع القضية باعتبارها أمنا قوميا، ومهمة مقدسة»، ليقدم الاقتراحات لحل هذه المشكلات وأهمها: إنشاء «المجلس الأعلى للتعليم»، يتشكل من رؤساء الجامعات، ليكون بمثابة قوة اقتراحية لوضع الخطط والبرامج، وحل المشكلات الطارئة، وإنشاء عدد أكبر من المدارس، والتعامل مع الامتحان على أنه وسيلة للتقيم وليس غاية هدفها النجاح فقط، بأسلوب التلقين والحفظ، مما يقتل لدى الطفل ملكة التفكير والإبداع والبحث، معتبرا القراءة الحرة نصف حل مشكلة التعليم فى مصر.
أما النصف الأخر فيتوقف على المعلم، الذى يسميه «المؤدِب»، ويطالب الدولة بأن تُصلح الوضع المادى له، وتُعلى من شأنه وكرامته وإنسانيته، وأن تُعده إعدادا جيدا ليستطيع اتمام مهمته، فالتلميذ يذهب له كمادة خام، هو من يشكلها ويشكل مستقبلنا معه، مطالبا بضرورة وجود تعليم دينى للأقباط كما يوجد تعليم دينى أزهرى للمسلمين، ومؤكدا أهمية حرية الرأى والتعبير، قائلا: «نفع الحرية أكثر من ضررها».
لا يتناول الكتاب الجانب التعليمى فقط، رغم تخصيص الحجم الأكبر منه لذلك؛ لكنه يتجاوزه إلى أبعد من ذلك، حيث يضع مؤلفه خطط لتثقيف المجتمع، ويرسم سياسته للاهتمام بالمسرح والسينما والإذاعة والصحافة، لافتا إلى أهمية دور الدوله فى دعم البحث العلمى والنشاط الفكرى، وكذلك واجب مصر نحو اشقائها العرب، وضرورة الاهتمام بدورها الريادى تجاه هذه البلاد، عن طريق إنشاء المدارس فى البلاد العربية حديثة النشأة، باعتبارها معاهد للتعاون الثقافى بيننا وبين هذه البلاد، لنشر ثقافتنا وحضارتنا». ويختتم طه حسين أخر فصول كتابه بعنوان «حلم وأمل» يؤكد فيه على أن مصر خليقة بأن تنتصر على العقاب فى طريقها، وترد إلى نفسها مجدها القديم

نقلا عن جريدة الشروق المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى