رأي
أحمد سعيد طنطاوى يكتب: رمزيات وفاء بلال

مبادرة فريدة قام بها الفنان العراقي الأمريكي (وفاء بلال).. للتبرع بالكتب لمصلحة دولته الأم، العراق.. ولمصلحة إعادة إحياء مكتبة كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد .. حين فكر بطريقة غير تقليدية، ومختلفة عن طرق التبرع العادية التي يطلقها البعض هنا أو هناك.
فكرته عبارة عن معرض تفاعلي فريد عندما تدخل فيه، لا تجد إلا مجموعة من الرفوف التي تبدو من بعيد كأنها فارغة.. ولكنك إذا اقتربت منها وجدتها تضم مجموعة من الكتب البيضاء، لا عنوان لها ولا غلاف ولا ورق ولا ألوان ولا أي شيء بداخلها، فقط كتاب أبيض فارغ.. إلا من صفحته الأولى التي تشرح معنى وفكرة بلال عن التبرع بالكتب.
اللون الأبيض يرمز إلى أن المكتبة أصبحت خاوية وفارغة.. مُسح من كُتبها ملايين الصفحات ومليارات الحروف.. لاحقا إن كنت ترغب في التبرع وفي أن يحل مكان هذا البياض، كتاب حقيقي ينير للطلبة والدارسين، عندها يمكنك أن تأخذ هذا الكتاب الذي تبرعت به وتضعه بنفسك في الرف وتستبدله بالكتاب الأبيض الفارغ لتحتفظ به في مكتبتك ويكون ذكرى بأنك حولت البياض الفارع إلى علم ومعرفة وثقافة ونور.
عناوين الكتب وموضوعاتها تم اقتراحها بعناية من أعضاء هيئة التدريس والطلاب في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد ضمن قائمة تحت عنوان “أمنية”.
الذين يفكرون بطريقة مغايرة هم الأفضل والأكثر نجاحًا.. والذين يقدمون لك نفس الشيء اليومي المعتاد بطريقة جديدة وبراقة هم الأكثر ذكاءً.. هذا ما ينطبق على ما قدمه الفنان بلال.
وبلال لم يكتف بذلك بل وضع عنوانًا فلسفيًا لمعرضه الفني هو (168:01)، رقم “168” يرمز إلى عدد الساعات التي استمر خلالها حبر الكتب يسيل في مياه نهر دجلة بعد هجوم المغول على المدينة، لنتذكر جميعًا واقعة تاريخية لا ينساها كل محب للثقافة والعلم وكاره للاستعمار والخراب.. و168 هي حاصل ضرب 7 أيام في 24 ساعة لكل يوم من هذا الدمار التاريخي الذي لم تنم فيه المدينة.. أما “01” فيرمز إلى بداية عصر جديد للمكتبات في بغداد.
رمزية أخرى يضعها الفنان؛ ألا وهي اختيار التبرع إلى مكتبة كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد ، تلك المكتبة التي احترقت بالكامل في عام 2003، بعدما أشعل اللصوص والمخربون النار في كتبها ومخطوطاتها القيمة والثرية ما أدى إلى تدمير أكثر من 70 ألف كتاب.
منذ عدة أعوام بدأ بلال معرضه في مدينة وندسور في محافظة أونتاريو الكندية… ثم أقامه في متحف الآغا خان في كندا، ومؤخرا في ديسمبر 2020 أقام معرضه في بيت الحكمة بالشارقة.. خلال تلك السنوات نجح في جمع عشرات الألوف من الدولارات لمصلحة المكتبة.
رمزيات كثيرة وضعها وفاء بلال.. ليجمع على الزائرين تاريخ بغداد من هجوم المغول في القرن الثالث عشر إلى غزو العراق في 2003 إلى وضع حالي يحتاج العراق فيه إلى تلوين مكتبته بالكتب المهمة والتراثية والتاريخية ولا تُترك رفوفها بيضاء خاوية.