
فى مسرحية “أنا وهو هي” بطولة فؤاد المهندس وشويكار.. كرر عادل إمام جملته الشهيرة “بلد شهادات صحيح”، لتنتشر الجملة فى كل أرجاء المحروسة، وظل الناس حتى وقت قريب يصدقون ويعتقدون أنه بالشهادة فقط يمكنك الحصول على ما تريد وتبتغي فى هذا الحياة.
لكن رويدًا رويدًا بدأ الناس فى مصر وغيرها من البلاد يدركون أن الشهادة العليا وحدها لا تكفي للوصول إلى الوظيفة المناسبة.. وأنه لابد من وجود شروط أخرى للحصول على الوظيفة منها ما هو مشاع حاليًا كوجود اللغة الإنجليزية كلغة أساسية فى المتقدم، إلى جانب إجادة تامة لاستخدامات الكمبيوتر والبحث على الإنترنت… كل هذا فضلا عن وجود الموهبة التي تتطلبها الوظيفة، كذلك من الشروط القدرة على التطوير والتدريب بعد الالتحاق بالوظيفة.
يوم الأحد 28 يونيو 2020 وقع الرئيس ترمب أمراً تنفيذياً للحكومة الفيدرالية باستبدال التوظيف المبنى على الشهادات؛ ب التوظيف المبني على المهارات .
بعد القرار نشرت ابنة ترمب “إيفاتكا”: أن هذا الأمر سيضمن أننا قادرون على التوظيف بناءً على المواهب وتوسيع عالمنا ليشمل المرشحين المؤهلين وضمان عملية توظيف أكثر إنصافًا.. ولن تركز الحكومة الفيدرالية الأمريكية بعد الآن بشكل ضيق على المكان الذي ذهبت إليه في المدرسة، ولكن على المهارات والمواهب التي تجلبها إلى الوظيفة”..
انتهى كلام إيفاتكا ترمب.. لكن جملتها مازال صداها فى العالم كله، بعدما أحدث قرار والدها شرخا واضحاً فى الشهادات العليا.. ومستقبلها.
فعصر التوظيف الورقي أى التوظيف وفقاً لشهادتك أوشك على الانتهاء، وكثير من الشركات الكبرى استبدلت معيار الشهادة بالكفاءة.. وكثير من رؤساء أكبر الشركات العالمية لم يحصلوا على شهادات جامعية أبرزهم مارك زوكيربيرج، وبيل جيتس وستيف جوبز.. وغيرهم.
الحياة واقعيا تتجه إلى ذلك منذ فترة ليست قليلة، ولم تفلح الشهادات الجامعية المتخصصة فى إحداث تغيير على أرض الواقع، وكنت دائما ما أردد لزملائي إن التخصص فى البداية هو نعمة سرعان ما ينقلب إلى نقمة، لأن الشركات التى توظف بناء على الشهادة فقط سرعان ما تكتشف قصورًا كبيرًا في تأهيل واستيعاب الحاملين لتلك الشهادات والتى اتضح أغلبهم أنهم حافظون متلقون لا مبدعون فاهمون منطلقون.
كما أنه على أرض الواقع، فإن العالم العربي يعج ويكتظ بحاملى الشهادات الجامعية والعليا.. وهو أمر هلامى وأشبه بالفقاعة ومزيف، يكشفه الأداء الباهت على مستوى التقدم والرقى والتنمية والرفاهية والاختراعات.. ولا نرى إلا أداء تقليديا يستثنى منه قلة قليلة.
لى صديق يعمل ” هاكر أخلاقي ” أو ما يطلق عليه باحث أمني، أي الذي يكشف عن الثغرات داخل الأنظمة الإلكترونية، وبدلاً من الاستفادة من تلك الثغرات الأمنية بشكل سيء يقوم بالتبليع عنها أو يسد هذه الثغرات ويحصل على أموال طائلة.
هذا الشاب ليس خريج كلية إلكترونية أو حاسبات ومعلومات؛ لكنه عبقري فى الاختراقات والحماية الأمنية.
جاء له عرض للعمل فى المكسيك فى شركة لحماية بيانات العملاء براتب خيالى بالدولار.. فوافق وسافر إلى هناك، وبعد سنتين أصبح لديه شركته الخاصة.
الأمر نفسه يحدث في صحافتنا وإعلامنا فرغم وجود عديد من كليات الإعلام المتخصصة إلا أننا نرى بأعيننا قلة اتقان اللغة ومخارج الحروف كما يجب أن تكون وقوة وسلاسة العبارات وغيرها من الشروط الواجب توافرها في الإعلامي أو الصحفي.. وهو أمر يعكس فقاعة “بلد شهادات صحيح”
وتشير دراسة في موقع «جلاس دور» أن شركات أمريكية ناجحة مثل (جوجل، وآبل، ….) أدركت أن الشھادة الجامعیة والتحصیل الأكادیمي ليس بالضرورة أن یكون حاملھا ملائماً للوظیفة المطلوبة، لذا فضلت تلك الشركات اختیار موظفیھا بناء على معاییر تنفیذیة عملیة، ولیس الدرجة العلمیة فقط.
نحن الآن في زمن تطوير المهارات والتدريب المستمر والبحث عن الاحترافية والتطور عبر كل الوسائل الحديثة.. إلى جانب وجود الشهادة العليا .. فالشهادة وحدها لا تكفى، ولكن يجب أن ندعمها بالعلم والتدريب والعمل.. حتى لا نكون مأسورين لفقاعة “بلد شهادات صحيح”.